فصل: الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله التاجي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وتُوُفِّيَ المقام الشهابىِ أحمد ابن الملك الأشرف بَرْلمسْباي الدقْماقي الظاهري بدار عَمّه زوج أمه الأمير قرقماس الأشرفي أمير سلاح بخطّ التَبّانة خارج القاهرة في يوم السبت سابع شهر ربيع الأول وحضر السلطان الصلاةَ عليه بمصلاة المؤمني ودفن بتربة واللى الملك الأشرف بَرْسْباي بالصحراء في فَسْقِيًة واحدة‏.‏

وَبِمَوْتِ أحمد هذا انقرضت فريّة الملك الأشرف بَرْسْباي لصلبه وكان سيديى أحمد هذا أصغر أولاد الملك الأشرف تركه حملًا وأمه أم ولد جاركسية تزوجها الأمير قَرْقَماس الأشرفي الجَلَب وهو الذي تولى تربيته إلى أن كبر‏.‏

وماتت أمه فلم يتركه قَرْقَماس واستمر عنده وبهذا المقتضى لم يقدر أحد من السلاطين أن يأخذه منه ويرسله إلى ثغر الإسكندرية‏.‏

ولما كبر أراد غيرُ واحد من الملوك أن يرسله إلى الإسكندرية عند أخيه الملك العزيز يوسف المقدّم ذكر وفاته في هذه السنة فقال قَرْقماس‏:‏ ‏"‏ إذا خرج أحمد هذا إلى جهة من الجهات أخرج أنا أيضًا معه فسكت القائل‏.‏

ولا زال الشهابي أحمد مقيمًا بالقاهرة إلى أن صار في حدود الرجال غير أنه لم ينظره أحد قطُّ ولم يخرج من بيته قط لأمر من الأمور حتى ولا إلى صلاة الجمعة ولا إلى العيدين بل يسمع الناسُ به ولا يَرَوْنَه إلى أن مات‏.‏

ومع هذا كله كانت الملوك مطمئنة بإقامته بالقاهرة لحُسْن طاعة قَرْقَماس للسلاطين‏.‏

وكان على ما قيل شابًا طوالَاَ جميلًا فاضلًا عارفًا وله محبة في الفضيلة ومطالعة الكتب ويكتب المنسوب‏.‏

وكان موته بعد أخيه العزيز من النوادر فإنه عاش بعد موت أخيه العزيز شهرًا وثمانية عشر يومًا والعجيب أنهما شابّان كاملان مَاتَا في هذه المُدَّةِ اليسيرة من غير طاعون وإنما هي آجال متقاربة‏.‏

ومحل الظن بالملك وأظنه بريء من ذلك اللهَم إن كان وقع شيء من غير الملك من جهة النسوة أو غيرها فيمكن - رحمه الله تعالى‏.‏

وتُوُفَي الشيخُ جمالُ الدين عبد الله ابن الشيخ الإمام القدوة المسلك الرباني نور الدين أبي الحسن علي بن أئوب الدمشقي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة خادم خانقاه سعيد السعداء في ليلة الأربعاء سابع عشر شهر ربيع الآخر وصُلًي عليه بعد أذان العصر من يوم الأربعاء المذكور بمصلاة باب النصر ودفن بمقابر الصوفية‏.‏

وكان رحمه الله تعالى له اشتغال وفضيلة مع فصاحة وطلاقة لسان ومحاضرة حسنة وكرم نفس مع العُزْلَة والقناعة مع التجمل في ملبسه وشأنه وكان الناسُ في أمن من يده ولسانه - عفا اللّه عنه‏.‏

وتوُفَيَ الأمير سيف الدين تَنَم بن عبد الله من عبد الرزّاق المؤيدي نائب الشام بها في يوم الأربعاء ثاني عشرين جمادى الأولى ودفن بدمشق بعد يومين لأمر اقتضى ذلك لتعلّق كان عليه ومات وهو في عشر السبعين‏.‏

وكان جاركسي الجنس من عتقاء الملك المؤيد شيخ وخاصكيته الصغار ثم جعله خازندارًا صغيرًا ومات الملكُ المؤّيدُ وهو على ذلك‏.‏

ثم صار في دولة الملك الأشرف بَرْسْباي رأس نوبة الجمدارية ثم أمير عشرة‏.‏

ثم وَليَ حِسبَة القاهرة في أوائل الدولة الملك الظاهر جقمق ثم نقل إلى نيابة إسكندرية ثم عزل 0وقدم القاهرة‏.‏

وبعد عزله بمدة يسيرة ولي نيابة حماة فلم تطل مدته بحماة ونقل إلى نيابة حلب فلم ينتج أمره في نيابة حلب ورجم من أهلها فعزله الملك الظاهر جقمق واستقدمه إلى مصر أمير مائة ومقدم ألف بها‏.‏

ثم صار أمير مجلس ثم صار في دولة الملك المنصور عثمان أمير سلاح بعد جرباش الكريمي قاشق بحكم عزله وعجزه ودام على ذلك إلى أن كانت الفتنة بين الملك المنصور عثمان وبين أتابكه إينال العلائي فكان تنم هذا من حزب الملك المنصور بالقلعة‏.‏

فلما تسلطن الأتابك إينال حبس تنم المذكور بثغر إلاسكندرية إلى أن أطلقه الملك الظاهر خشقدم وأطلق معه الأمير قاني باي الجاركسي وسيرهما إلى ثغر دمياط بطالين‏.‏

ثم بعد مدة يسيرة أحضره الظاهر خشقدم إلى القاهرة وولاه نيابة دمشق بعد عزل الأمير جانم الأشرفي فتوجه تنم إلى دمشق وحكمها فلم تحمد سيرته وتشكر طريقته إلى أن مات في التاريخ المذكور‏.‏

وكان رحمه الله تعالى له مساوىء ومحاسن وأظن الأول أكثر‏.‏

ومن غريب ما اتفق في أمره أنه لما كان محبوسًا كان رجل من أصحابه ملتفتًا إلى أمره ولما يصير من شأنه فقصد الرجل بعض المشهورين بعلم النجوم وأرباب التقويم فعمل الرجل لتنم المذكور زايرجاة وأتقن عملها فخرج له أبيات تشعر بسلطنة تنم المذكور فجاءني الرجل وهو مسرور وحكى لي ذلك فأجبته بكلام معناه‏:‏ إن هؤلاء كذبة ليس لهم معرفة بهذه الأمور وكل ما يقولونه كذب وبهتان واختلاق نصبة على أخذ إلاموال فعظم ذلك عليه فقلت له‏:‏ ‏"‏ لي معك شرط أكتب الأبيات فإن تسلطن فهو كما تقول وإن كانت الآخرى فأكتبها في ترجمة وفاته ليكون ذلك عبرة لمن يصمق كذب هؤلاء وإن الذي في السجن لا بد أنه يكون مليكًا للأنام عزيزا فأوله تاء وآخر اسمه على القطع ميم كن عليه حريزا وذلك كهل يا أخي وإنه لضخم القفا والصدر فاصغ مميزا ولا بد أن يأتي الزمان بقوة ويعلو رقابًا للعداة محيزا فزايرجة في نظمها نطقت بذا فكن لي بهذا العلم منك مجيزا وهذا الذي عمل هذه الزايرجة الناس مجمدون على معرفته فما العجب من كذب هؤلاء الكذبة الجهلة الأوقاح وإنما العجب من تصديق الناس لكلامهم‏.‏

وقد رأيت جماعة من ذوي العقول تقول‏:‏ ‏"‏ صدق فلان في قوله كذا وكذا ‏"‏ فأقول له‏:‏ ‏"‏ ما صدق بل حزر مرة وثانية وثالثة ورابعة فأخطأ ثم أصاب فى الخامسة وكل أحد يقدر على أن يقول مثل ذلك لأن الخير والشر والولاية والعزل واقع في كل أوان وزمان وكل منتصب لا بد له من العزل أو الموت فالفرق في هذا المعنى بين العارف والجاهل بباب الحزر واضح لا يحتاج إلى بيان ‏"‏‏.‏

وتوفي

 الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله التاجي

المؤيدي المعزول عن نيابة حلب والمرشح لنيابة الشام بعد موت تنم المقدم ذكره قبل أن يخرج حلب بدار سعادتها في يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة بعد أن مرض أيامًا يسيرة وهو في عشر السبعين‏.‏

وكان جاركسي الجنس من صغار مماليك الملك المؤيد شيخ وصار خاصكيًا بعد موته إلى أن صار نائب بيروت في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق ثم نقل إلى نيابة غزة ثم ولي نيابة صفد ثم حماة ذلك ببذل المال لاتضاع قدره‏.‏

ثم ولي نيابة حلب بعد موت الحاج إينال اليشبكي فباشر ذلك إلى هذه السنة‏.‏

فرسم له أن يقدم إلى الديار المصرية أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية فتهيأ للخروج من حلب فمات الأمير تنم نائب الشام فأقره الملك الظاهر خشقدم عوضه في نيابة الشام فمات جانبك هذا قبل أن يصل إليه الخبر بولاية دمشق وقيل بعد وصول الخبر بيوم‏.‏

وكان متوسط السيرة في ولايته ولم تسبق له رئاسة بالديار المصرية غير الخاصكية‏.‏

وكان غالب ولاياته ببذل المال والذي يبذل المال لا بد له من الظلم‏.‏

وقد بلغنا عنه أنه كان يستعمل لقيمة الفقراء الخضراء والله أعلم بصحة ذلك‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الأبلق أحد أمراء العشرات قتيلًا بيد الفرنج في الماغوصة بجزيرة قبرس في إحدى الجمادين وقد ذكرنا سبب قتله في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏

وحاصل الأمر‏:‏ أنه لما ملك الماغوصة مد يده لأولاد أهل الماغوصة من الفرنج فعز على الفرنج ذلك لأنه كان أخذها بالأمان فشكوا ذلك إلى صاحب قبرس جاكم الفرنجي فنهاه عن ذلك فلم ينته فوقع بينهم تشاجر أدى ذلك إلى قتله ولم ينتطح في ذلك شاتان‏.‏

وبالجملة إن جانبك المذكور كان غير مشكور السيرة في مدة إقامته بقبرس رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي شيخ الإسلام قاضي القضاة علم الدين صالح ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الكناني الشافعي قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها في يوم الأربعاء وقت الزوال خامس شهر رجب بعد أن مرض نحو عشرة أيام ودفن من الغد بمدرسة والده تجاه داره بحارة بهاء الدين بعد أن صلي عليه بالجامع الحاكمي وتوجهوا بجنازته من طريق الجملون العتيق ودخلوا بها من باب الجامع الذي بالشارع عند باب النصر وعادوا بنعشه من الباب الذي بالقرب من باب الفتوح وأعيد إلى مدفنه وكانت جنازته مشهودة إلى الغاية‏.‏

ومات وسنه سبع وسبدون سنة لأن مولده بعد عشاء ليلة الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة‏.‏

وهو من جملة الفقهاء الذين قرأت عليهم القرآن في صغري لأن أختي كانت تحت أخيه قاضي القضاة جلال الدين البلقيني فكنا بهذا المقتضى كشيء واحد‏.‏

وكان إمامًا عالمًا فقيهًا درس وأفتى سنين كثيرة وناب في الحكم عن أخيه جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بعد ذلك غير مرة وطالت أيامه في المنصب وانتهت إليه رئاسة مذهبه في زمانه‏.‏

وقد استوعبنا حاله في عدة مواضع من مصنفاتنا ليس لذكرها في هذا المختصر محل وفي شهرته ما يغني عن الإطناب في ذكره هنا رحمه الله تعالى ورضي عنه‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين كمشبغا بن عبد الله السيفي نخشباي نائب البيرة بها في أوائل شوال‏.‏

وكان من عتقاء الأمير نخشباي الذي ضرب الملك الظاهر جقمق رقبته‏.‏

ثم خدم كمشبغا هذا في بيت السلطان ثم صار خاصكيًا ودام على ذلك دهرًا إلى أن سعى في نيابة قلعة حلب فوليها دفعة واحدة بالبذل فلم تشكر سيرته وعزل ونقل إلى البيرة فلم تطل مدته بها ومات في التاريخ المذكور‏.‏

وكان لا ذات ولا أدوات ولولا أنه ولي هاتين الولايتين ما ذكرناه هنا‏.‏

وتوفي الشيخ أبو الفضل محمد ابن الشيخ الإمام الفقيه الصالح القدوة المسلك شمس الدين محمد بن حسن المعروف والده بالشيخ الحنفي في ليلة السبت ثامن ذي الحجة بجزيرة أروى المعروفة بالوسطانية بعد مجيئه من الوجه البحري وحمل من الجزيرة في باكر نهار السبت المذكور وصلي عليه ودفن بزاوية أبيه خارج قنطرة طقزدمر وهو في عشر الستين من العمر‏.‏

وكانت لديه فضيلة وله اشتغال بحسب الحال ولكنه لم يكن أمينًا على الأوقاف عفا الله تعالى عنه بمنه وكرمه‏.‏

وتوفي الوزير علاء الدين علي ابن الحاج محمد الأهناسي بمكة المشرفة بطالًا في حياة أبيه في ثاني عشرين ذي القعدة‏.‏

ومات وهو في أوائل الكهولية‏.‏

وقد ولي علي هذا الوزر والأستادارية والخاص غير مرة‏.‏

وعلي هذا وأبوه محمد هما من أطراف الناس الأوباش المعدودة رئاستهم من غلطات الدهر وقد ذكرنا من أحوال علي هذا وولاياته نبذة كبيرة في تارينا ‏"‏ الحوادث ‏"‏ تغني عن العيادة هنا انتهى رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي السلطان صارم الدين إبراهيم بن محمد بن علي بن قرمان صاحب بلاد الروم قونية ولارنده وقيسارية وغيرها في أواخر ذي القعدة أو أوائل في الحجة وقد ناهز الستين من العمر بعد أن ولي بلاد قرمان أكثر من خمس وأربعين سنة وتولى بعده ابنه إسحق في لغتهم إسحق أيسق ووقع الخلف بسبب ولاية إسحق بين أولاده‏.‏

وبنو قرمان هؤلاء من أصلاء الملوك كابرًا عن كابر أبًا عن جد فصاعدًا إلى السلطان علاء الدين السلجوقي‏.‏

وقيل إن بني قرمان هؤلاء من ذرية بايندر أحد أكابر أمراء جانكزخان ملك الترك الأعظم‏.‏

وتوفي القاضي شمس الدين محمد ابن الشيخ بدر الدين محمد بن السحماوي الشافعي أحد أعيان موقعي الدست الشريف بالديار المصرية في ليلة السبت خامس عشر ذي الحجة ودفن صبيحة يوم السبت المذكور عن اثنتين وثمانين سنة‏.‏

وكان لديه فضيلة وعنده حشمة وأدب وتواضع‏.‏

وباشر التوقيع أزيد من خمسين سنة وخدم بالتوقيع عند جماعة من أعيان الأمراء آخرهم الملك الظاهر خشقدم إلى أن تسلطن رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين طوخ بن عبد الله الجكمي الرأس نوبة الثاني كان وأحد أمراء الطبلخانات بطالًا بعد ما كف بصره في ليلة الأربعاء تاسع عشر ذي الحجة ودفن من الغد بالصحراء وقد زاد سنه على الثمانين ولم يحج حجة الإسلام‏.‏

وكان أصله من مماليك جكم المتغفب على حلب‏.‏

وكان من مساوىء الدهر لا يصلح لدين ولا لدنيا وكان مسرفًا على نفسه ما أظنه ترك الشرب إلا في مرض موته‏.‏

ولم يحج حجة الإسلام مع طول عمره وسعة ماله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم وفقنا لما تحب وترضى يا رب العالمين‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بردبك بن عبد الله الأشرفي الدوادار الثاني كان قتيلًا بيد العربان بالقرب من منزلة خليص في عوده من الحج في يوم الاثنين سادس عشر ذي الحجة وقد ناهز الخمسين أو جاوزها‏.‏

وكان أصله من سبي قبرس قبيل سنة ثلاثين وثمانمائة مراهقًا وملكه الملك الأشرف إينال أيام إمرته ورباه وأعتقه وأعله خازنداره وزوجه بابنته الكبرى ثم جعله دواداره‏.‏

ولما تسلطن أمره وجعله دوادارًا ثالثًا ثم جعله دوادارًا ثانيًا ونالته السعادة‏.‏

وعظم في الدولة وقصده الناس لقضاء حوائجهم وشاع ذكره وبعد صيته وحمدت سيرته وعمر الجوامع في عدة بلاد وله مآثر وذكر في الصدقات والإعطاء‏.‏

ودام على الدوادارية إلى أن نكب ابن أستاذه السلطان الملك المؤيد أحمد ابن الملك الأشرف إينال وخلع من السلطنة وأمسك بردبك هذا وصودر وأخذ منه نحو من مائتي ألف دينار ووقع له أمور‏.‏

وبالجملة إنه كان لا بأس به لولا محبته لجمع المال من أي وجه كان رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الشيخ الفقيه العالم المقرىء تاج الدين محمد بن أحمد الفطيسي الإسكندري المالكي إمام السلطان ومدرس الحديث بالظاهرية العتيقة‏.‏

مات في نصف ذي القعدة ومولده سنة خمس عشرة وثمانمائة واشتغل كثيرًا في عدة علوم لكنه لم يكن ماهرًا في غير القراءات وحصلت له وجاهة آخر عمره‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله اليشبكي التركماني المعروف بسودون قندورة أحد مقدمي الألوف بدمشق وأمير حاج المحمل الشامي بعد خروجه من المدينة الشريفة إلى جهة الشام في أواخر ذي الحجة أو في المحرم وقد زاد سنه على الستين‏.‏

وكان من مماليك الأمير يشبك الجكمي الأمير آخور وبقي بعد أستاذه من جملة مماليك السلطان‏.‏

ودام على ذلك دهرًا طويلًا لا يلتفت إليه إلى أن تحرك له بعيض سعد وانتهى للصاحب جمال الدين ناظر الخاص ابن كاتب جكم بواسطة خجداشه جانبك اليشبكي والي القاهرة فولي بعض قلاع البلاد الشامية‏:‏ قلعة صفد وقلعة الشام ثم تنقل في البلاد بالبذل إلى أن صار من أمره ما كان‏.‏

ولم يكن سودون هذا من أعيان الأمراء لتشكر أفعاله أو تذم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وخمسة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وثلاثة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة من سلطنة الظاهر خشقدم وهي سنة تسع وستين وثمانمائة‏.‏

فيها توفي الأمير سيف الدين قاني باي طاز بن عبد الله البكتمري نائب البيرة بها في أواخر شهر ربيع الأول أو أوائل شهر ربيع الآخر وهو في الثمانين تخمينًا‏.‏

وكان أصله من مماليك بكتمر جلق الظاهري نائب الشام وصار بعد موت أستاذه من مماليك السلطان ثم نقل في أواخر عمره إلى نيابة قلعة صفد ثم إلى نيابة البيرة إلى أن مات‏.‏

وهو من مقولة سودون تركمان المقدم ذكره في السنة الخالية‏.‏

وتوفي الأمير موسى بن محمد بن موسى صاحب حلي ابن يعقوب من بلاد اليمن في شهر ربيع الآخر بمدينة حلي ابن يعقوب‏.‏

وكان معدودًا من أعيان الأمراء ومن ذوي البيوت في الممالك ولجده موسى مع الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة وقائع ذكرناها في ترجمة حسن المذكور في تاريخنا ‏"‏ المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ‏"‏‏.‏

وتوفي الشهاب بديد بن شكر وزير الشريف محمد بن بركات صاحب مكة في ليلة السبت السابع من جمادى الأولى بوادي الآبار من عمل مكة وحمل بقية ليلته على الرقاب إلى بطن مكة فغسل بالبيت الذي أنشأه الشريف محمد بن بركات بمكة وصلي عليه صلاة الصبح بالحرم ودفن بالمعلاة على والده‏.‏

وكانت جنازته مشهودة وأسف الناس عليه لأنه كان مقصودًا للخير ومن بقية الشيوخ والأكابر المشار إليهم‏.‏

وبديد بباء موحدة ثانية الحروف مضمومة وبعدها دال مهملة مفتوحة ثم ياء آخر الحروف ثم دال ساكنتين‏.‏

وتوفي القاضي بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي في يوم الأربعاء سادس عشر جمالى الآخرة وقد جاوز الخمسين من العمر ولم يخلف قاضي القضاة ولدًا ذكرًا غيره ولا أنثى وبموته انقطع نسل ابن حجر من الذكور‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الناصري نائب طرابلس بها في يوم الأربعاء حادي عشرين شهر رجب وقد جاوز السبعين من العمر‏.‏

وكان من صغار مماليك الملك الناصر فرج وعتقائه ثم خدم بعد موت أستاذه عند خجداشه الأمير برسباي حاجب حجاب دمشق وبخدمته عرف بين الناس ودام بخدمته إلى أن خرج الأمير إينال الجكمي نائب الشام على الملك الظاهر جقمق وانهزم فقبض جانبك عليه وقد ذكرنا كيفية القبض عليه في غير موضع من مصنفاتنا ليس لذكرها في هذا المختصر محل فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة طبلخاناه بدمشق ثم تنقل بعد ذلك بعدة وظائف وأعمال غالبها بالبذل إلى أن مات رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير عجل بن نعير أمير عرب آل فضل بالبلاد الشامية وهو بطال بالقرب من أعمال حلب‏.‏

وتوفي السلطان خليل بن إبراهيم صاحب مملكة شماخي وما والاها في السنة الخالية فيما أظن بمدينة شماخي ولم تحرر وفاته إلا في هذه السنة لبعد المسافة ومات بعد أن ملك نحو أربعين سنة‏.‏

وكان من أجل ملوك الشرق قدرًا وأحسنهم سيرة وأجودهم بضاعة وأكثرهم سياسة وأحزمهم رأيًا وهو آخر من كان بقي من أكابر الملوك وهو أحد من أوصاه السلطان مراد بك بن محمد بن عثمان ملك الروم على ولده محمد صاحب الروم في زماننا هذا وقد ذكرنا أمره محررًا في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الوزير شمس الدين محمد البباوي غريقًا ببحر النيل بساحل بولاق بالقرب من فم الخور وقت المغرب من يوم الأربعاء ثامن عشرين ذي الحجة وهو في الكهولية وكان سبب موته أنه توجه في مركب عقيبة إلى ناحية طناش بالجيزية أو غيرها وعاد فغرق من شرد ريح وافى مركبه قلبتها ولله الحمد‏.‏

وكان البباوي هذا أصله من ببا الكبرى بالوجه القبلي‏:‏ كان بها خفيرًا وقيل راعيًا وقيل غير ذلك وقدم القاهرة وصار بخدمة بعض الطباخين مرقدارًا ثم صار صبيًا عند بعض معاملي اللحم‏.‏

ولا زال ينتقل في هذه الصناعات إلى أن صار معاملًا وحسنت حاله وركب حمارًا‏.‏

ولا زال أمره ينمو في صناعته إلى أن أثرى وحصل مالًا كثيرًا وصار معول الوزراء عليه في حمل اللحم المرتب للمماليك السلطانية وبقي يركب بغلًا بنصف رحل بسلخ جلد خروف ويلبس قميصًا أزرق كأكابر المعاملين‏.‏

وسمع الملك الظاهر خشقدم بسعة ماله وكان من الخسة والطمع في محل كبير فاحتال على أخذ ماله بأن ولاه نظر الدولة في أوائل ذي الحجة من سنة سبع وستين‏.‏

ولبس البباوي العمامة والفرجية والخف والمهماز وتزيا بزي الكتاب وترك زي المعاملين فشق ذلك على الناس قاطبة وعدوا ذلك من قبائح الملك الظاهر خشقدم لأن البباوي هذا مع انحطاط قدره وجهله ووضاعته وسفالة أصله مع عدم معرفته بالكتابة والقراءة فإنه كان أميًا لا ينطق بحرف من حروف الهجاء إلا إن كان تلقينًا ومع هذا كله كان غير لائق في زيه فباشر نظر الدولة مدة يسيرة واختفى الأمير زين الدين الأستادار وولي الأستادارية من بعده المجد بن البقري وشغر الوزر عنه وطلب السلطان البباوي هذا وولاه الوزر في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الأول من سنة ثمان وستين وثمانمائة وصار وزير الديار المصرية فلم نعلم بأقبح حادثة وقعت في الديار المصرية قديمًا وحديثًا من ولاية البباوي هذا للوزر لأنه كان أحد الأعوام الأوباش الأطراف السوقة ووثب على هذه الوظيفة العظيمة التي هي أجل وظائف الدنيا بعد الخلافة شرقًا وغربًا‏.‏

وقد وليها قديمًا جماعة كثيره بالديار المصرية وغيرها من سادات الناس من زمن عبد الملك بن مروان إلى أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري وهي إلى الآن أرفع الوظائف قدرًا في سائر بلاد الله وفي كل قطر من الأقطار إلا الديار المصرية فإنه انحط بها قدرها ووليها من الأوباش وصغار الكتبة جماعة من أوائل القرن التاسع إلى يومنا هذا‏.‏

فالذي وليها في عصرنا هذا ممن لا يصلح لولايتها ابن النجار وعلي بن الأهناسي البرددار وأبوه الحاج محمد المقدم ذكره ويونس بن جربغا دوادار فيروز النوروزي وغيرهم من هذه المقولة‏.‏

ومع هذا كله بلاء أعظم من بلاء وأعظم الكل ولاية البباوي هذه فإن كل واحد ممن ذكرنا من الذين ولوا الوزر كان لكل واحد ميزة في نفسه وقد تقدم له نوع من أنواع الخدم والمباشرات إلا البباوي هذا فإنه لم يتقدم له نوع من أنواع الرئاسة‏.‏

ومع هذه المساوىء باشر بظلم وعسف وعدم حشمة وقلة أدب مع الأكابر والأعيان وساءت سيرته وكثر الدعاء عليه إلى أن أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر وأراح الله المسلمين منه‏.‏

وقد هجاه الشعراء بأهاج كثيرة ذكرنا بعضها في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏

وأنا أستغفر الله من لفظة وقعت مني في ترجمته فإني قلت في آخر ترجمته‏:‏ ما ولي الوزر في الدنيا أحد أخس من البباوي هذا ولا يليها أيضًا أقبح منه إلى يوم القيامة فوليها بعد مدة شخص من غلمانه يقال له قاسم جغيتة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة لم يتحرر نذكره في السنة الآتية عند انتهاء النيل‏.‏

السنة السادسة من سلطنة الظاهر خشقدم وهي سنة سبعين وثمانمائة‏.‏

فيها توفي الأمير سيف الدين قراجا بن عبد الله العمري الناصري أحد أمراء الألوف بدمشق بها في المحرم وقد ناهز الثمانين من العمر‏.‏

وهو من مماليك الناصر فرج بن برقوق وطالت أيامه في الجندية إلى أن استقر به الملك الظاهر جقمق والي القاهرة ثم تنقل بعد ذلك في عدة ولايات إلى أن صار أحد أمراء الألوف بدمشق إلى أن مات في هذه السنة‏.‏

وكان من المهملين المسرفين على أنفسهم مع شهرة بالشجاعة‏.‏

وتوفي الأمير إسحاق بن إبراهيم بن قرمان ملك الروم غريبًا عن بلاده بديار بكر عند حسن بك بن قرايلك في أوائل المحرم بعد أن وقع له أمور وحروب لما ملك الروم وخالفه إخوته وقد ذكرنا أمره في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏ مفصلًا‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين جانم بن عبد الله المؤيدي المعروف بحرامي شكل أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بعد مرض طويل وعمر طويل أيضًا‏.‏

وكان من أوباش مماليك الملك المؤيد شيخ وطالت أيامه في الخمول والفقر إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق بوابًا وأنعم عليه بإقطاع كبير فحسن حاله وامتنع عن الشحاتة من الأكابر‏.‏

ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك الأشرف إينال فطلب منه إمرة فلم يعطه شيئًا فقام بين يديه في الملأ وقال‏:‏ ‏"‏ إما توسطني أو تعطيني إمرة ‏"‏ فضحك الناس وشفعوا له حتى أعطاه إمرة عشرة‏.‏

ثم صار من جملة رؤوس النوب ودام على ذلك إلى أن مات‏.‏

وكان له حكايات في البخل والجنون والنذالة نستحي من ذكرها‏.‏

وبالجملة إنه كان بوجوده عارًا على جنس بني آدم‏.‏

وتوفي القاضي بدر الدين حسن الرهوني المالكي أحد نواب الحكم المالكية بالقاهرة في يوم الثلاثاء أول شهر ربيع الأول وقد قارب الستين من العمر‏.‏

وكانت لديه فضيلة إلا أنه كان متهورًا في أحكامه‏.‏

وتوفي القاضي نور الدين علي بن أحمد بن محمد الشيشيني الحنبلي أحد نواب الحكم الحنابلة في صفر وقد جاوز الكهولية‏.‏

وكان فاضلًا معدودًا من فقهاء الحنابلة‏.‏

وتوفي القاضي بدر الدين محمد ابن القاضي ناصر الدين محمد المعروف بابن المخلطة المالكي السكندري الأصل المصري المولد والمنشأ والوفاة في ليلة السبت تاسع عشر ربيع الأول ودفن من الغد بالصحراء وهو في عنفوان الشبيبة‏.‏

وكان ولي نيابة الحكم بالقاهرة ثم ولي قضاء الإسكندرية وحسنت سيرته إلى أن مرض وقدم القاهرة مريضًا ولازم الفراش إلى أن مات‏.‏

وكان فاضلًا عالمًا فقيهًا أديبًا حسنة من حسنات الدهر رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الشيخ المعتقد إبراهيم الغنام بداره بالحسينية خارج القاهرة في يوم الخميس مستهل ربيع الآخر وصلي عليه برحبة بالقرب من داره ودفن بها‏.‏

وكان من المعمرين وللناس فيه اعتقاد حسن وكان يبيع لبن المعز يسوقها أمامه بالطرقات على عادة بيعة اللبن وكان مشهورًا بالصلاح‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله من أمير الأشرفي المعروف بالظريف محبوسًا بقلعة صفد في هذه السنة وقد جاوز الكهولية‏.‏

وكان من صغار مماليك الملك الأشرف برسباي وصار خاصكيًا في دولة الملك الظاهر جقمق ثم خازندارًا صغيرًا ثم دوادارًا صغيرًا ثم تأمر عشرة ثم صار خازندارًا كبيرًا في دولة الملك الأشرف إينال ثم صار في دولة الملك الظاهر خشقدم دوادارًا ثانيًا بإمرة مائة وتقدمة ألف فلم تطل أيامه فيها وقبض عليه مع من قبض عليه من خجداشيته الأشرفية وحبس سنين إلى أن مات في السجن‏.‏

وكان شابًا خفيفًا وفيه طيش مع تكبر وتعاظم وبخل زائد لكنه كان عارفًا بأنواع الملاعيب كالرمح والبرجاس وغير ذلك وعلى كل حال كانت مساوئه أكثر من محاسنه‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين مالك أصلان بن سليمان بن ناصر الدين بك بن دلغادر نائب أبلستين قتيلًا بها بيد فداوي في صلاة الجمعة بالجامع وثب عليه الفداوي وضربه بسكين كان في يده إلى أن قتله وقتل الفداوي في الوقت وقيل إن الفداوي كان أرسله الملك الظاهر خشقدم‏.‏

وحضر سيفه إلى الديار المصرية في عاشر ربيع الآخر‏.‏

وولي بعده شاه بضع أخوه ووقع بعد ذلك أمور وفتن قائمة إلى يومنا هذا‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام الخطيب البليغ الأديب المفنن برهان الدين إبراهيم ابن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن عبد الرحمن البادوني الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة في يوم الخميس رابع عشرين شهر ربيع الأول ودفن من يومه وقد عمر‏.‏

ومولده في سابع عشرين شهر رمضان سنة سبع وسبعين وسبعمائة ونشأ بدمشق وطلب العلم وقرأ على علماء عصره إلى أن برع في عدة فنون من فقه وعربية وأدب وغلب عليه الأدبيات والشعر‏.‏

وله نظم رائق ونثر فائق وقفت على عدة كتب من مكاتباته تدل على فضل كبير وعلم غزير واتساع باع في الأدب وأنواعه‏.‏

وله رسالة عاطلة من النقط أبدع فيها وأتى بغرائب مع عدم التكلف وخمس ألفية ابن مالك في النحو وله غير ذلك من المصنفات‏.‏

وولي خطابة دمشق ومشيخة الباسطية وسئل بقضاء دمشق فامتنع ووليها أخوه القاضي جمال الدين يوسف الباغوني‏.‏

ولم يزل الشيخ برهان الدين على أحسن طريقة إلى أن مات رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفيت خوند شكرباي الناصرية الأحمدية زوجة السلطان الملك الظاهر خشقدم في يوم الأربعاء سادس جمادى الأولى وصلي عليها تحت طبقة الزمام تجاه باب الستارة ودفنت بتربة زوجها السلطان الملك الظاهر خشقدم التي أنشأها بالصحراء‏.‏

وأنزلت من القلعة ولم يغط نعشها ببشخاناه على عادة الخوندات بل جعل على نعشها خرقة مرقعة للفقراء وجعل أمام نعشها أعلام أحمدية وكان ذلك بوصية منها‏.‏

وكان أصلها جاركسية الجنس من عتقاء الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق وتزوجت بعد موت أستاذها بالأمير أبرك الجكمي واستولدها أبرك أولادًا منهم‏:‏ خاتون أم الشهابي أحمد ابن العيني‏.‏

وماتت خاتون المذكورة في سلطنة الملك الظاهر خشقدم ولم يتزوج السلطان الملك الناصر غيرها إلا بعدها‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين كسباي بن عبد الله الششماني الناصري ثم المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات في ليلة الاثنين ثالث جمادى الآخرة ودفن بتربته التي أنشأها خارج القاهرة‏.‏

وكان أصله من مماليك الملك الناصر فرج ثم ملكه الملك المؤيد شيخ وأعتقه وصار خاصكيًا بعد موته ودام على ذلك إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق دوادارًا صغيرًا ووقع له معه أمور ومحن إلى أن صار أميرًا في دولة الملك الأشرف إينال ثم صار من أمراء الطبلخانات في دولة خجداشه الملك الظاهر خشقدم إلى أن مات في التاريخ المذكور‏.‏

وكان رأسًا في فنون الفروسية عارفًا بأنواع الملاعيب كالرمح والنشاب والبرجاس وغير ذلك لكنه كان عنده خفة وطيش مع سلامة باطن رحمه الله تعالى وعفا عنه‏.‏

وتوفي القاضي فخر الدين محمد بن محمد بن أحمد الأسيوطي الشافعي أحد نواب الحكم الشافعية في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة وسنه أزيد من سبعين سنة‏.‏

وقد ناب في الحكم أزيد من أربعين سنة على أنه كان قليل العلم والعمل عفا الله عنه‏.‏

وتوفي الشيخ الواعظ المذكر أبو العباس أحمد بن عبد الله المقدسي الشافعي الواعظ بعد مرض طويل بالقاهرة في ليلة الأربعاء سادش عشرين جمادى الآخرة ودفن من الغد بالقرافة الصغرى ومولده في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة هكذا ذكر لي عندما استجارني‏.‏

وكان له اشتغال قديم وغلب عليه الوعظ والتذكير وعمل المواعيد‏.‏

وكان لتذكيره تأثير في القلوب وعليه أنس وله باع واسع في الحفظ للأحاديث والتفسير وكرامات الصالحين‏.‏

وكان له في التذكير القبول الزائد من كل أحد وأثرى من ذلك وجمع المال الكثير والناس فيه على قسمين ما بين معتقد ومنتقد والظن الثاني أكثر وكنت أنا من القسم الأول لولا ما وقع له مع الحافظ العلامة برهان الدين البقاعي ما وقع وحكايته معه مشهورة أضربت عن ذكرها لقرب عهد الناس منها‏.‏

وتوفي الخادم الرئيس صفي الدين جوهر بن عبد الله الأرغوني الظاهري الساقي الحبشي الجنس رأس نوبة الجمدارية في ليلة الخميس عاشر شعبان ودفن من الغد بتربة الأمير قاني باي الجاركسي وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمني‏.‏

ومات وهو فى عشر الستين ولم يخلف بعده مثله دينًا وأدبًا وحشمةً ورئاسةً وتواضعًا وعقلًا‏.‏

وبالمجملة إنه كان من حسنات الدهر رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المؤيدي الفقيه الأشقر أحد أمراء العشرات بعد مرض طويل في يوم الخميس سابع شهر رمضان‏.‏

وكان من عتقاء الملك المؤيد شيخ وتأمر في دولة الملك المؤيد أحمد ابن الملك الأشرف إينال فيما أظن ودام على ذلك إلى أن مات‏.‏

وكان فقيهًا دينًا خيرًا فاضلًا رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي الأديب الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي السعود إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن سعيد بن علي المنوفي الشافعي المعروف بابن أبي السعود الشاعر المشهور بالمدينة الشريفة في خامس عشرين شهر رمضان ومولده في شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة بمنوف العليا‏.‏

ومن شعره في مليح منجم‏:‏ الوافر لمحبوبي المنجم قلت يومًا فدتك النفس يابدر الكمال براني الهجر فاكشف عن ضميري فهل يومًا أرى بدري وفى لي وقد ذكرنا من شعره قطعةً جيدة في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ وغيرها‏.‏